ReutersReuters

كيف ترسل الدول المنتجة للوقود الأحفوري انبعاثاتها إلى الخارج؟

point penting:
  • منتقدون: مصدرو الوقود الأحفوري يضرون بالمناخ ويلوثون الهواء
  • أمريكا تتوسع في توريد الفحم لصناعة الأسمنت في شمال أفريقيا
  • مصر تقول إنها بحاجة لدعم مالي للحد من انبعاثاتها

يغطي الغبار الأسود الشوارع ويتجمع على أسطح المنازل في حي مجاور لمصنع أسمنت مترامي الأطراف في مدينة الإسكندرية المصرية.

ويتهم ناشطون وسكان محليون المصنع الذي تديره شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند، وهي شركة تابعة لشركة تيتان للأسمنت اليونانية، بتلويث الهواء عن طريق حرق الفحم.

وقال مصطفى محمود وهو صاحب محل بقالة في حي وادي القمر "كل ليلة نشوف غبار واقع علينا من مداخنهم. وتحت عواميد النور في الشوارع تقدر تشوف بعينك الغبار بينزل".

ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة هذا الحديث بشكل مستقل. وتقول شركة تيتان للأسمنت إن انبعاثات المصنع ضمن الحدود القانونية وإنها تخطط لتقليص استخدام الفحم في السنوات المقبلة.

وكغيره من مصانع الأسمنت في مصر وشمال أفريقيا، يستخدم المصنع الفحم المستورد لتشغيل أفرانه. وفي الآونة الأخيرة، شهدت المنطقة زيادة كبيرة في استيراد الفحم من الولايات المتحدة، وفقا لبيانات التصدير الأمريكية.

كانت صادرات الوقود الأحفوري قضية ملحة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب29) في باكو هذا العام إذ طالب ناشطون وممثلو بعض البلدان المعرضة لتداعيات تغير المناخ الدول بتحمل المسؤولية عن التلوث الذي تبثه عبر النفط والغاز والفحم، والذي ترسله في الأغلب إلى البلدان النامية الفقيرة.

ويسعى البعض إلى إدراج مسألة كيفية القيام بذلك على جدول أعمال قمم المناخ في المستقبل.

الاتفاق التاريخي الذي تحقق في باريس عام 2015 لمكافحة تغير المناخ يطالب البلدان بتحديد أهداف وتقديم تقارير عن التقدم المحرز في خفض المستويات الوطنية لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لكنه لا يفرض مثل هذه المتطلبات على الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري الذي تنتجه وتصدره إلى مناطق أخرى.

وقال بيل هير المؤسس المشارك لمؤسسة كلايمت أكشن تراكر، وهو مشروع علمي مستقل يتتبع عمل الحكومات بشأن المناخ، إن هذا سمح لدول مثل الولايات المتحدة والنرويج وأستراليا وغيرها بأن تقول إنها تحرز تقدما نحو الأهداف المناخية الدولية بينما تنتج وتصدر الوقود الأحفوري بوتيرة سريعة.

وأضاف على هامش كوب29 في باكو الأسبوع الماضي "أغلب هذه البلدان المصدرة للوقود الأحفوري يمكن أن تظهر بصورة جيدة من خلال عملها المحلي في مجال المناخ. والانبعاثات التي تصدرها هذه البلدان هي مشكلة لا تخصها".

ووفقا لحسابات أجرتها مؤسسة كلايمت أكشن تراكر وتحققت منها رويترز باستخدام بيانات من وكالة الطاقة الدولية، فإن صادرات الوقود الأحفوري الأمريكية، وتشمل الفحم والنفط والغاز والوقود المكرر، أدت إلى انبعاثات تعادل أكثر من ملياري طن من ثاني أكسيد الكربون في دول أخرى في عام 2022. وأظهرت البيانات أن هذا يعادل نحو ثلث الانبعاثات المحلية في الولايات المتحدة.

وجعلت طفرة التنقيب المستمرة منذ سنوات الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، كما أدى الطلب القوي إلى رفع صادراتها من الفحم لأربع سنوات متتالية، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

وردا على سؤال حول كيفية تنسيق واشنطن بين طموحاتها المناخية وإنتاجها وصادراتها من الوقود الأحفوري، أجاب علي زيدي مستشار الرئيس الأمريكي جو بايدن للمناخ بأن هناك حاجة إلى إنتاج قوي للطاقة لإبقاء الأسعار منخفضة للمستهلك في أثناء الانتقال إلى وقود أنظف.

وقال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، المتشكك في قضية تغير المناخ، إنه يريد تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري في البلاد بشكل أكبر.

وتقول كلايمت أكشن تراكر إنه بالنسبة لدول منتجة أخرى، فإن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من صادرات الوقود الأحفوري تفوق في بعض الأحيان الانبعاثات المحلية.

كان هذا صحيحا بالنسبة للنرويج وأستراليا وكندا في عام 2022، وهو أحدث عام تتوفر فيه بيانات لجميع البلدان والتي تم تحليلها. واطلعت رويترز حصريا على تلك الحسابات.

وقالت وزارة المناخ والبيئة النرويجية إن الأمر متروك للدول الأخرى لإدارة انبعاثاتها الكربونية.

وأضافت الوزارة في بيان لرويترز "كل دولة مسؤولة عن خفض انبعاثاتها".

ولم يصدر المسؤولون بوزارة البيئة والمناخ في كل من كندا وأستراليا أي تعليق.

وفي كلمته أمام القمة في أذربيجان، اتهم الرئيس المضيف إلهام علييف بعض الساسة الغربيين بازدواجية المعايير لإلقائهم العظات على حكومته بشأن استخدامها للنفط والغاز، وقال "من الأفضل لهم أن ينظروا إلى أنفسهم".

* شركات تصنيع الأسمنت والطوب

تتجه أغلب صادرات الغاز الأمريكية الآن إلى الدول الأوروبية التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على روسيا، في حين أصبحت الصين واحدة من أكبر المشترين للخام والفحم الأمريكيين، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ومع ذلك، فإن أكبر الأسواق التي تشهد نموا لمبيعات الفحم الأمريكي هي شمال أفريقيا.

وأظهرت بيانات أن مناجم الفحم الأمريكية صدرت حوالي 52.5 مليون طن قصير (47.62 مليون طن) عالميا في النصف الأول من عام 2024، بزيادة بنحو سبعة بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في تقرير حديث إن معظم الزيادة كانت مدفوعة بطلبات شركات تصنيع الأسمنت والطوب في مصر والمغرب، اللذين استحوذا معا على أكثر من خمسة ملايين طن قصير خلال تلك الفترة.

وذكر التقرير "هؤلاء العملاء يقدرون الطاقة العالية للفحم الحراري الأمريكي مما يجعل عمليات التصنيع لديهم أكثر كفاءة".

في الوقت نفسه، انخفض استخدام الفحم محليا في الولايات المتحدة مع إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بسبب انخفاض أسعار الغاز الطبيعي ودعم مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتمتد فترة انخفاض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي لأكثر من 15 عاما.

وقال أحمد شيرين كُريم نائب رئيس مجلس الإدارة وعضو مجلس إدارة الاتحاد العربي للأسمنت ومواد البناء، وهي هيئة صناعية إقليمية، إن صناعة الأسمنت في مصر اعتمدت على الفحم المستورد لما يقرب من عقد إذ أجبر استمرار نقص الغاز الطبيعي العديد من المصانع على البحث عن بدائل.

ووفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن، فإن الولايات المتحدة هي أكبر مورد لمصر إذ مثلت 3.1 مليون طن من 6.6 مليون طن من الفحم المستورد هذا العام.

وقدمت روسيا معظم الكمية الباقية، وهي 2.1 مليون طن.

وأحالت وزارة البيئة الروسية الأسئلة إلى وزارة الخارجية التي لم ترد بعد.

ويقول نشطاء إن قرار الحكومة المصرية برفع الحظر القائم منذ فترة طويلة على استيراد الفحم في عام 2015 لدعم صناعة تشكل محور خطط التنمية الاقتصادية، يضر بالبيئة وصحة سكان مناطق مثل وادي القمر.

وباستخدام بيانات من نظام مراقبة الانبعاثات في مصنع الإسكندرية، قام باحثون من جامعتي الأزهر والقاهرة ووزارة البيئة المصرية بمحاكاة انتشار الغبار الملوث والغازات السامة بين عامي 2014 و2020.

وخلصت الدراسة، التي نشرت في دورية علوم الصحة البيئية والهندسة في عام 2022، إلى أن التحول من استخدام الغاز الطبيعي إلى الفحم وقودا أساسيا أدى إلى زيادة الانبعاثات وتركيزات الجسيمات العالقة الكلية وثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت. ومع ذلك، كانت التركيزات في الغالب ضمن الحدود القانونية.

ووفقا لبيانات من ميزانية الكربون العالمية، وهي مشروع تقوده جامعة إكستر البريطانية، ارتفعت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في مصر من حرق الوقود الأحفوري بأكثر من الخُمس في العقد المنتهي في عام 2022، لتصل إلى 263 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

وجاءت معظم هذه الانبعاثات من الغاز والنفط إذ يظلان المصدرين الرئيسيين للطاقة في مصر. وبلغت حصة الفحم 3.4 بالمئة من إجمالي انبعاثات 2022، أي تسعة ملايين طن.

وتعهدت الحكومة في عام 2021 بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم وطلبت من الشركات التي تستخدمه إدخال المزيد من المصادر المتجددة في مزيج الطاقة لديها. لكن هبة معتوق المتحدثة باسم وزارة البيئة المصرية قالت إن هناك نقصا في إمدادات البدائل، مثل الوقود المشتق من النفايات الناتج عن القمامة القابلة للاحتراق.

وأوضحت هبة معتوق لرويترز أنه في حال عدم تمكن الشركات من الحصول على الوقود المشتق من النفايات، فإنها لن تتوقف عن العمل وستضطر لاستخدام الفحم لتجنب الخسائر.

* معارك قانونية

تمثل إزالة الكربون من صناعة الأسمنت تحديا، خاصة في الدول النامية الأكثر فقرا مثل مصر، لأنها تتطلب كميات كبيرة من الطاقة كما أن التقنيات المستخدمة لإزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي باهظة الثمن.

وفي كلمته أمام كوب29 الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن خطط بلاده لتعزيز نسبة الطاقة المتجددة إلى 42 بالمئة من مزيج الطاقة بحلول عام 2030 تعتمد على الدعم الأجنبي.

وقالت هدى نصر الله المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن سكان حي وادي القمر يخوضون معركة قانونية طويلة الأمد مع شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند، إذ رفعوا العديد من الدعاوى القضائية.

وفي عام 2016، طلب سكان محليون بدعم من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من محكمة إدارية في الإسكندرية إلغاء التعديلات على اللوائح البيئية في البلاد التي تسمح للصناعات الثقيلة باستخدام الفحم وذلك لأسباب صحية وبيئية، وفقا لما قالته الهيئة الحقوقية.

ولم يرد مسؤولو شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند على طلب التعليق الذي تم تقديمه من خلال ممثل قانوني.

وأكدت شركة تيتان للأسمنت أن مصنعها يستورد الفحم من الولايات المتحدة، لكنها لم تذكر تفاصيل.

وفي بيان أصدرته مديرة الاتصالات المؤسسية للمجموعة ليديا ياناكوبولو، قالت الشركة إن المصنع لم ينتهك أي قوانين وإنه استثمر 40 مليون يورو في مكافحة التلوث منذ عام 2010، ويخطط لتقليل استخدامه للفحم خلال السنوات القادمة مع تكثيف استخدام البدائل.

وأضافت أن لجنة خبراء من جامعة الإسكندرية معينة من قبل محكمة خلصت إلى عدم وجود انتهاكات بيئية ناجمة عن انبعاثات الشركة أو عملياتها التشغيلية، وأن الانبعاثات ضمن الحدود القانونية.

وقالت هدى نصر الله إن المحامين الذين يمثلون السكان يعتقدون أن اللجنة ترأسها موظف في الشركة، وأحالوا القضية إلى أعلى محكمة إدارية مصرية بالقاهرة.

ولم يقدم أي من الجانبين نسخة من تقرير اللجنة، ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل من تأكيداتهما.

ومن المتوقع صدور حكم في القضية في ديسمبر كانون الأول.

في غضون ذلك، يتزايد الإحباط بين السكان القريبين من المصنع مثل هشام العكاري الذي يقول إن عائلته تعيش في وادي القمر منذ عشرات السنين ولا تستطيع تحمل تكاليف الانتقال.

وقال لرويترز "ماينفعش يكون المصنع هنا، إحنا لازم نفضل وهم اللي يمشوا".

Masuk atau buat akun gratis selamanya untuk membaca berita ini

Berita lainnya dari Reuters

Berita lainnya